بعدما "خنقت" اقتصادها مع الخارج بسبب قضية الصحراء والرغبة في ملء خزينة البلاد بالعملة الصعبة.. الجزائر تلجأ إلى التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لتفادي التحكيم الدولي في قضية "القيود التجارية"
كشف وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أن بلاده بصدد التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد تسوية للنزاع بالتراضي في قضية "القيود التجارية" التي تفرضها الجزائر على الصادرات الأوروبية، في خطوة تهدف من خلالها إلى تفادي الوصول إلى مرحلة التحكيم الدولي في هذه القضية، ولا سيما أن بروكسيل لوحت بذلك في الشهور الأخيرة.
وأفصحت الجزائر عن عزمها الدخول في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، في رد وزير الخارجية أحمد عطاف على سؤال كتابي كان قد توجه به النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم، عبد الوهاب يعقوبي، يوم الخميس الماضي، يطلب فيه توضيحات حول "المخاطر المحتملة" التي قد تتعرض لها الجزائر على أثر إعلان مفوضية الاتحاد الأوروبي تفعيل إجراءات لتسوية النزاع مع الجزائر.
وجاء في جواب عطاف الذي نشره يعقوبي عبر حسابه الرسمي بموقع فيسبوك، إن "اتفاق الشراكة لا ينص على أي تبعات مالية، قد تنجر عن القرار النهائي، الذي سيتم التوصل إليه من خلال المشاورات لتسوية النزاع بالتراضي، أو في حال تعذر ذلك، عبر آلية التحكيم الثنائية المعتمدة في الاتفاق، وهي حالة مستبعدة، حيث يتم التوصل عموماً إلى توافقات في مرحلة المشاورات".
وكشف رد وزير الخارجية لأول مرة، عن مساعي جزائرية للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي، لإيجاد حل مرض للطرفين في قضية "القيود التجارية"، بعدما كانت العلاقات في هذا الجانب قد وصلت إلى مرحلة الصدام بين يونيو ويوليوز الماضيين، خاصة بعدما أعلنت الجزائر تشبثها بموقفها بدعوى "ترشيد الوارادت" من الاتحاد الأوروبي.
وكانت تقارير إعلامية أوروبية، قد قالت في الأسابيع الماضية إن الطرفين لحدود الساعة لم يصلا إلى أي تسوية للخلاف القائم بينهما، في ظل اختلاف وجهات النظر، حيث يرغب الاتحاد الأوروبي في إنهاء القيود التي تفرضها الجزائر في أقرب وقت بعد 3 سنوات من فرضها على الشركات الأوروبية، في حين ترغب الجزائر في إعادة النظر في الشراكة التي تجمعها بروكسيل فيما يخص العلاقات التجارية.
وكانت مجلة "جون أفريك" قد وصفت طبيعة الحوار بين الجزائر والاتحاد الأوروبي بـ"حوار الأصم"، في إشارة إلى عدم تفهم لأي طرف للأخر، مشيرة إلى أن هذا الوضع قد يجعل الجزائر تخسر أكثر مما ستجنيه، في حالة إذا استمرت في فرض القيود على الصادرات الأوروبية.
وكان وزير التجارية وترقية الصادرات الجزائري، الطيب زيتوني قد صرح في هذا السياق بنبرة وصفها كثيرون بأنها تحد لخرجة المفوضية الأوروبية التي طلبت الجزائر بإيقاف قيودها على الشركات الأوروبية، حيث قال إن''الجزائر بلد سيد وليس له مديونية خارجية ولا يحتاج إلى إملاءات، لدينا شركاء نتعامل معهم سواء الدول التي لها لنا معها شراكات ثنائية أو الاتحاد الأوروبي أو الفضاءات الاقتصادية التي ننتمي إليها في القارة الإفريقية أو الدول العربية".
وكان رد الفعل الجزائري قد جاء بعد التصريح الذي أدلى به سفير الاتحاد الأوربي لدى الجزائر، توماس إيكيرت، الذي طالب الأخيرة، بضرورة الانخراط في حوار بناء والتفاوض بشكل مشترك لإنهاء "الحواجز الحمائية" التي تفرضها، من أجل تجنب التصعيد الذي "سيكون ضارًا لكلا الطرفين".
أزمة فرنسا تؤكد المخاوف الجزائرية
عزم الجزائر الدخول في مفاوضات مباشرة مع الاتحاد الأوروبي، لإيجاد تسوية لهذا النزاع بما يُرضي الطرفين، يشير إلى وجود مخاوف لدى الجزائر من وصول العلاقات التجارية مع بروكسيل إلى مرحلة يكون لها تأثير سلبي على العلاقات السياسية أيضا.
كما يُفسر هذا المسعى الجزائري لتفادي الوصول إلى التحكيم الدولي في العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، لماذا لم تتسرع الجزائر في اتخاذ "إجراءات عقابية " ضد فرنسا في المجال الاقتصادي، بعدما أعلنت باريس دعمها لسيادة المغرب على الصحراء، واكتفت بسحب السفير من فرنسا فقط.
وكانت الجزائر قد توعدت باتخاذ مجموعة من الاجراءات المضادة لفرنسا، إلا أنه إلى حدود اليوم لم تُنفذ أي اجراء عدا سحب السفير، ورفض قبول مهاجريها الذين ترغب فرنسا بترحيلهم، مما فسره الكثير من المتتبعين، بأن الجزائر استفادت من الخطأ الذي ارتكبته مع إسبانيا، عندما لجأت إلى فرض قيود على الصادرات الإسبانية كرد فعل على إعلان مدريد دعمها لسيادة المغرب على الصحراء.
وكان هذا القرار الجزائري تُجاه إسبانيا، قد تسبب في إعلان الاتحاد الأوروبي دعمه لمدريد، وهو ما تحاول الجزائر اليوم تفاديه مع فرنسا، تفاديا لحدوث تدهور جديد في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ككل.